أهلاً ، أنا نجيب
ذات مساء، وتحديدا في منزلي بمحافظة الحسكة، تسمرت وأصحابي أمام الشاشة لمشاهدة فيلم سينمائي يضاهي في قصته مسلسل (فرسان قريح) على منصة شاهد، الدهشة هنا على غير المعتاد، فعادة الأفلام تنتهي سريعا، لكن هنا تفاجئت بفيلم متعدد الحلقات يزيد عددها عن عدد حلقات المسلسلات التركية، وأحداثه تضاهي (الأفلام الهندية) والدهشة الأكبر والخسارة الأعظم أنني أشاهد الحلقة الأخيرة
نظرت لأعين الأصحاب فإذا الدهشة هي هي، وأحسست أن فكرتنا واحدة، وقولنا قولا واحدا، لنشاهد الحلقة الأخيرة فإن كانت جميلة شيقة أعدنا المسلسل من أوله لمشاهدته أو مشاهدة عشوائية لأي حلقة يتوقف عندها شريط التقدم والإرجاع.
الحلقة الأخيرة دينماكية متسارعة وأحداثها تدور حول بطولة رياضية يتنافس أهل الحسكة على كأسها وشاركهم فرق في محافظات مجاورة ، فنحن في إجازة ونادي الجزيرة انتهى موسمه قبل أشهر بصعوده وكذلك الأندية الأخرى المجاورة، انتهت أنشطتها الرياضية، دعوني أعطيكم معلومة عن محافظتي الجميلة، الشباب هنا مولعون بكرة القدم، هذا الولع زرعوه الأباء في أولادهم، ويغلب على الأهالي الطيبة، ولكل قاعدة شواذ ففينا شرذمة متلونة، فئة قليلة حاقدة، فتجد الأبله ينساق إليهم وكذا المُغيب والمدرعم، والحمدلله أن كلهم قله، عددهم لايتجاوزن أصابع اليدين،كل ذلك لا يعنينا، المهم الفيلم ومافيه من أحداث، بطلها رئيس نادي الجزيرة، الذي كشف للمشاهد وللمجتمع حقيقة المتردية والنطيحة، تلك الحقيقة التي غابت عنا سنوات فكنا نرى الصالح طالح والطالح صالح، قد عشنا سنوات مخدوعين، دعني أسألك، هل يتصور عاقل أن معلماً للغة إنجليزية لايجيد كتابة اللغة الإنجليزية، تماماً هذا حال البطل الثاني للفيلم محاضر في التدريب لايفقه في التدريب شيئاً، والذي شدني في شخصيته إصراره في ذاته لدرجة عجيبة وقناعته في نفسه رغم سوء نتائجه، وعزوف الفاهمين عنه، فكل ما يفعله الآن وسابقا النخر في الأجساد، وتحريك ( الدمى )، ولذا شباب محافظتنا أطلقوا عليه لقب ( السوسة ) أظن الوصف دقيق فالسوس ينخر في الأسنان دون إحساس، ومن لايزور الطبيب ويعالج سنه في وقت مبكر فقد كتب على سنه التلف.
الدهشة الأخرى عندما أرى في مدينتنا الحسكة من يجمع المتناقضات ودائما من يجمع المتناقضات يكون مريضاً يحتاج لعلاج أو مذنبا يستحق العقوبة كما في حديث رسول الله ﷺ ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وذكر منهما ( أشيمط زان ) ( عائل مستكبر ) فعلى عظم جريمة الزنا في حق كل أحد إلا أنها في حق كبير السن أعظم، إذ يفترض فيه رجاحة العقل وهدوء الشهوة في هذا العمر المتقدم، والتكبر خلق ذميم إلا أن تكبر الفقير أشد تعجبا فما الذي يملكه هذا الغلبان حتى يتكبر، لذا فإن بطل الفيلم الثالث رجل شابت لحيته وطالت، وتجاوز السبعين مريض بداء عضال ومع ذلك يتصرف تماماً كما الصبية، في وقت يحتاج فيه للقرب من الله أكثر والإكثار من الخلوات والسجدات، فالعمر الكبير والمرض العضال نذيران بقرب الموت، والأعمار بيد الله، لقد أطلق عليه شبان الحسكة عليه لقب (عجوز قريح ) لا أعرف سبب الإطلاق لكني سأسأل بعضهم، عدلت من جلستي وأخذت أتسلى بشيء من المكسرات وأنا أشاهد تصرفات عجوز قريح، رجع بي الزمن إلى أيام دراستنا الابتدائية ( لعبوني وإلا بخرب ) وحتى لا يظن ظانٌ أن هذا يسوء لمحافظتنا فإن كل مدن سوريا بل في كل مدن العالم يوجد فيها ( سوسة ) ويوجد ( عجوز قريح ) الفرق هناك من عرفوهم فحجموهم ولم ينجرفوا وراءهم بل وكشفوا أمرهم وهناك من لا يستطيعون مقاومة شرورهم فيجارونهم على قبحهم خوفا وجبناً وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء شره )
وقد أحسن كاتب الأحداث عندما صور لنا البطولة الأخيرة برجالها وأحداثها وأظهر لنا رجال المحافظة المخلصين وهم الأكثرية وأبان لنا التصرفات الحمقى كـ (الدلخ ) الذي ( درعم ) خلف أوامر السوسة فقاده إلى الطريق المنحدرة ففضح نفسه وأحرج أعضاء لجنته الذين وقفوا ضده عندما انكشفت لهم غمامة الكذب والتدليس ؟!
لقد كشف لنا كاتب الفيلم مدى حقدهما حتى أن إبليس تحول إلى المدرج ليتعلم من السوسة، فلاعجب في ذلك فكم من تلميذ تجاوز أستاذهـ، هكذا قيل، بل وأنا أرى فعلته تلك، دار في ذهني مباشرة قول الله تعالى ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لاترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) فالشيطان تبرأ من فعلته، وهاف من شديد العقاب، وأولئك مستمرون في غيهم.
وسأكمل لكم ماشاهدته في الحلقة الأخيرة من أحداث البطولة في الكتابة القادمة بتفصيل فأنا الآن مرهق وصاحب المنزل ينادي أن هلموا إلى عشائكم، وكل عام وأنت بخير
نجيب الربيعي